ذكريات مع عمو بابا .. رحمه الله .. بقلم ماجد عزيزة

ذكريات مع .. عمو بابا
ماجد عزيزة
ورحل ( أبو سامي) ... رحل بعد رحلة طويلة في حب العراق والتفاني في سبيله ، بحيث اصبح الشيخ الجليل ( عمو بابا ) يمثل نموذجا ومثالا حيا في كيفية حب الوطن .. ماذا نكتب عن ( عمو بابا) ؟ وقد فاضت الأقلام بكتابة تاريخه الرياضي ، والإنساني والتصاقه بوطنه العراق ؟ ماذا نقول عن رجل وضع كل مغريات الكون جانبا وتحزب لوطنه ، رفض كل ما في بلدان الله من متعة واختار وطنه ، ابعد عن تفكيره كل الإنتمماءات الطائفية والقومية والدينية وصلى في محراب وطنه .. ؟ ماذا نقول عن الإنسان النموذج والمثال يوم رحيله ؟
عرفت عمو بابا شخصيا عام 1964 يوم كان لاعبا في فريق الكلية العسكرية لكرة القدم وكان الفريق يشارك في دوري كرة القدم العراقي لأول مرة بفضل عمو بابا ، وكان يلعب إلى جانبه احد أفضل اللاعبين آنذاك والذي لم يحالفه الحظ في نيل الشهرة والمكانة اللائقة به وهو اللاعب ( موسى عبد الله ) ، وكان هذا الثنائي يثير الخوف والهلع في صفوف الفرق الكبيرة ، وتابعت أخباره في الدورة الرياضية العربية التي جرت في القاهرة عام 1965 يوم خرج الفريق العراقي من منافسات بطولة كرة القدم فيها بسبب اصابة عمو بابا بكسر في ساقه جراء ضرب متعمد من لاعب اليمن ( سعيد عذاب ) الذي قال عنه الراحل الكبير عمو بابا : هذا عذاب ... عذبني !
ثم كنت على احتكاك تام به ، وانا اعمل في الصحافة الرياضية منذ بداية سبعينات القرن الماضي وحتى مغادرتي العراق عام 1999 ، كان ( ابو سامي ) رحمه الله ، أحد ثلاثة رياضيين عرفوا بمغادرتي وودعوني شخصيا هم اضافة إليه الكابتن ناظم شاكر والحكم الدولي فلاح منفي ، ولي مع عمو بابا لأكثر من 30 عاما حكايات صغيرة وكبيرة ، لكني ومن خلال احتكاكي به وقربي منه أشهد بأنه واحد من أقوى الشخصيات التي عرفتها في حياتي الرياضية ، يمتلك حزما عاليا وانضباطا والتزاما لا يمتلكهما غيره ، كان لا يهاب احدا ، ويقول ما في داخله وجها لوجه ، حتى انه في أحد ايام اشرافه على تدريب المنتخب الوطني ، وكان التدريب في ملعب الكشافة ، وصل الكابتن عدنان درجال ( وكان رئيس الفريق العراقي آنذاك ) وصل متأخرا لخمس دقائق عن بدء التدريب وزملائه في الملعب ، دخل الملعب مهرولا والقى بتحية سريعة ، لكن عمو صرخ به : عدنان .. تعال ! وقف الكابتن عدنان وجاء مهرولا وهو يقول : استاد .. أخذتني النومة ! فقال عمو : روح كمل نومتك بالبيت ولا تجي بعد للمنتخب ! فخرج عدنان دون كلام .. لكنه اعاده بعد ايام ..لأن عدنان كان ركيزة أساسية لا يمكن الإستغناء عنها! وللتاريخ فقد كان عمو بابا واحدا من الشخصيات التي كانت ضمن مجموعة الشخصيات التي ذهبت ( لخطبة ) فتاة لأحد اشهر لاعبي المنتخب الوطني ( !) اضافة إلى الأستاذ مؤيد البدري والكابتن الأستاذ هشام عطا عجاج ، وكان والد الفتاة رافضا تزويج ابنته للاعب ، لكنه رضخ امام هذه الشخصيات الكبيرة ، حتى ان عمو بابا قال له : يمعود انطيها ..تره اذا ضربنا على بيتكم ( بنالتيات ) انفلشة للبيت .. كان يحب جميع لاعبيه وكأنهم أبناءه يسأل عن كل شيء في حياتهم ( كيف ينامون ، ماذا يأكلون .. ) ويتفقدهم واحدا واحدا ..
كنا مرة عائدين من تايلاند ضمن وفد المنتخب العراقي وكان كل لاعب وعضو في الوفد قد اشترى ( ببغاءا) بسعر دولار واحد وضعه في قفص ، إلا اللاعب المرحوم ناطق هاشم فقد اشترى ( قردا صغيرا ) ، وفي مطار لارنكا بقبرص هرب ( القرد) من يدي ناطق فهرع جميع اللاعبين اليه محاولين ارجاعه وهو ينط في صالة المطار ، فسمع عمو بابا اصواتهم فطلب منهم الحضور امامه ، واستفسر عن الأمر ، فقالوا له : قرد ناطق انهزم ! فقال وهو يضحك .. ليش ضايجين دوروا في المطار راح تشوفون ( هواية قرود) !! وضحكنا ..
ليس لي شخصيا في هذه الأيام الحزينة إلا أن استذكر ، تلك الأيام الخمسة التي قضيتها معه عام 1995، وكنا نحن الإثنين في زيارة رياضية لمحافظتي ( أربيل ودهوك) لإلقاء بعض المحاضرات من قبل شيخ الكرة العراقية على مدربي ولاعبي المحافظتين المذكورتين ، كنت معه في الفندق ، وكان من شدة ألم قدميه يضعهما على الطاولة التي أمامه .. وقد اعتذر مني شخصيا لأنه يضعهما امامي بهذا الشكل .. فقلت له : ابو سامي .. هذه أقدام عمو بابا ، ويشرفني أن تكون أمامي فهي اغلى الأقدام العراقية ! فاحتضنني وقبلني رحمه الله . أذكر ايضا اني كتبت مقالا يوم اجرى عملية قطع اصبعه بسبب مرض السكري اللعين الذي لازمه ، ناشدت فيه الطبيب الجراح الذي سيجري العملية وقلت له : ايها الطبيب ، انك تعرف كم هي غالية هذه الإصبع التي سوف تقطعها ، هذه الإصبع التي دوخت العالم وسجلت أهدافا كثيرة وكبيرة في مرمى العديد من الفرق ، وأرهبت حراس مرمى كثيرين .. وناشدته أن يكون رحوما ورؤوفا مع قدمي عمو بابا واصابعه ..
رحم الله ( أبا سامي ) العراقي الأول ، الذي نحسده نحن أصدقاءه ومحبيه الذين نسكن الغربة ، لأنه حقق امنيته والتحف بتراب الوطن الغالي .. ونتمنى أن تتحقق امنيتنا بافتراش أرض الوطن والإلتحاف بترابه العزيز ..


المصدر/بغديدا

عاشت ايدك حبي علئ اذا الموضع الحلو مال عمو بابا و اني هوايه اقهرت عليه والله

تحياتي الكم

احباب الروح